في هذه الأيام يتردد على أسماعنا الحديث عن الشتاء، بل ونحسه ونستشعره استشعاراً، فنشتاق إلى لياليه، وننتظر أيامه. ونبحث عن وسائل وأماكن الدفء فيها.
وإنّ أحسن ما اتفقت فيه الأنفس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمّة به دون شيء من مخلوقاته. وكم لله من آياته في كل ما يقع الحس عليه، ويبصره العباد، وما لا يبصرونه، تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها.
لكن تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد، وقيام الحيوان والنبات عليهما. وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته. ولو دخل عليه مفاجأة لأضنَّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، كما خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط البرودة، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة”. السلسلة الصحيحة (4/ 554) برقم 1922.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء؛ تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: (إن الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً؛ فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه).
وإنّما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لمّا فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته، وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه.
ونحن بفضل من الله ونعمته ربما لا نشعر بهذا البرد لوجود الأسباب الجالبة للدفء من مكيفات، ودفايات، وبطانيات، وغيرها من نعم الله علينا، لكن من جيراننا وأقاربنا وإخواننا المسلمين يجلسون جلستهم العائلية بلا مدافئ، وترتعد أجسادهم في جنح الليالي من شدة البرد، ويذهب أطفالهم إلى مدارسهم من غير الكساء الذي يلبسه أبناؤنا وإخواننا؛ فيخترق البرد عظامهم، وليس ذلك إلا من قلة ذات اليد، وقلة المحسنين. فالواجب علينا أن نجعل لهم من أموالنا نصيبًا، ومن مشاعرنا حظًا، ومن دعائنا ذكراً، فمن أجل قسوته كره بعض السلف الشتاء وقال: “إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض، وذهاب الحقوق، وزيادة الكلفة على الفقراء”.
وإنّنا في هذا المساق أردنا أن نسلط الضوء على بعض آداب وأحكام الشتاء ببعض المواد من موقع المسلم، موزعة ومتنوعة ما بين فتاوى ومقالات ومسائل وبحوث، والله المسؤول وهو المعين لما فيه صلاح العباد والبلاد.
الشتاء … آداب وأحكام
إعداد: موقع المسلم
Leave a Reply