فِقْهُ الزَّلَازِلِ؛ آيَاتٌ وَأَحْكَامٌ وَعِبَرٌ؛ وَمَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَهَا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ {2})) [الحج: 1-2]، وقال تعالى: ((إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا {3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا {5})) [الزلزلة: 1-5].
الزلازلُ والبراكينُ، والكُسُوفُ والخُسُوفُ، والعواصِفُ والفَيضاناتُ، والسَّحابُ والرِّياحُ، والحَرُّ والبَرْدُ، وسائر التغيّرات في الكون (التي يفزع لها الناس ويهرعون إلى الشوارع، وتتعالى الصيحات، وتنبعث الأصوات، والاستغاثات، ويقع الفزع الكبير، وتتحدث الإذاعات، وتنشر الصحف، ويتحدث المحللون)؛ كلُّها من آياتِ اللهِ تعالى، الدَّالَّةِ على وَحْدانيَّتِهِ وربوبيَّتِه وقيوميَّتِه، وعظيمِ قُدْرَتِه، وكمالِ تدبيرِه، واستحقاقِه للعبادةِ وحدَه سبحانه لا شريك له، وأنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا هُوَ، وأنَّ الخلقَ كلَّهم مفتقِرونَ له، خاضعونَ له، ليس للطبيعةِ في ذلك أمرٌ ولا قُدْرَة، ما أصابنا من ذلك لم يكن ليُخْطِئَنا، وما أخطأنا لم يكن ليُصيبَنا، لعل الظالم أن يرجع عن ظلمه، والعاصي عن معصيته، والبخيل عن بخله، فيتطلع الناس إلى يوم الفناء ثم البعث بعده والوقوف بين يدي الله رب العالمين، فإذا كان الخوف والفزع الذي أُريناه قد حدث من مثل هذه الواقعات الهينة، فكيف يوم القيامة؟!! فهذه الآيات قوية في دلالاتها، لكن لعلنا أن نتعظ!
وآيات الله الكونية يخوِّف الله عباده بها حتى يعودوا إليه، كما في قوله تعالى: ((وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)) [ الإسراء: 59]، كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: “أما بعد؛ فإنّ هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد”، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك، وأمّا أسبابه فانضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق؛ فإذا انضغط طلب مخرجًا، فيشق ويزلزل ما هرب منه من الأرض”، وقال ابن القيم: “ومن تأثير معاصي الله في الأرض، ما يحل بها من الخسف والزلازل”، ولمّا كان القحط في زمن الصحابة الكرام، لم ينسبوا الذنوب لغيرهم، إنّما خافوا من ذنوبهم واعترفوا ورجعوا إلى ربهم، فنحن أولى بذلك؛ لأنّ ذنوبنا ومعاصينا ظاهرة منتشرة، لذا فإنّنا ندعو أنفسنا وسائر المسلمين إلى سرعة الرجوع والتوبة والانخلاع من الذنوب، وعدم المكابرة في ذلك؛ لأنّ المنتقم الجبار يحمي دينه، فلا تجادل، فالزلزال لو تكلم- وما ذلك على الله بعزيز -فإنّه يقول لنا:
{
• عودوا إلى الله فقد طال عليكم الأمد!
• احتكموا إلى شريعته ولا تكونوا من الخاسرين!
• توبوا إلى الله قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله!
• لا تأكلوا الربا فإنّه من أقوى أسباب الزلازل!
• اتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون…
}
اللهم إنّا نعوذ بك من الخسف والزلازل والمحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.

فِقْهُ الزَّلَازِلِ؛ آيَاتٌ وَأَحْكَامٌ وَعِبَرٌ؛ وَمَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَهَا

تقديم:
الشَّيخِ محمد صالح المنجِّد حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الشَّيخِ الدكتور سعود الشريم حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الأُستاذ شريف عبد العزيز حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الشَّيخِ محمد بن عبد الله الهبدان حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الشَّيخِ أَشْرَف عبد المقصود حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الشَّيخِ إبراهيم الأزرق حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الشَّيخِ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللّهُ تعالى؛
الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند حَفِظَهُ اللّهُ تعالى؛
الأُستاذ الدكتور ناصر بن سليمان العمر حَفِظَهُ اللّهُ تعالى.

فِقْهُ الزَّلَازِلِ؛ آيَاتٌ وَأَحْكَامٌ وَعِبَرٌ؛ وَمَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَهَا
https://lms.mustansiriyah.net/course/view.php?id=25

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*